إدارة الشئون الفنية
فضل العشر الأول من ذي الحجة

فضل العشر الأول من ذي الحجة

09 يوليو 2021

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 29 من ذي القعدة 1442هـ - الموافق 9 / 7 /2021م

العَشْرُ الأُوَلُ مِنْ ذِي الحِجَّةِ

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ([آل عمران:102].

أَمَّا بَعْدُ:

فَيَا عِبَادَ اللهِ:

إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ أَنْ جَعَلَ لَهُمْ مَوَاسِمَ يَزْدَادُ فِيهَا الأَجْرُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الخَيْرُ، فَمَنِ اسْتَغَلَّهَا فِيمَا شَرَعَهُ اللهُ فَهُوَ مِنَ المُوَفَّقِينَ، وَمَنْ فَرَّطَ فِيهَا فَقَدْ فَاتَهُ مَا قَدْ لَا يُدْرِكُهُ مَرَّةً أُخْرَى، وَهَا نَحْنُ عِبَادَ اللهِ مُقْبِلُونَ عَلَى أَيَّامٍ مُبَارَكَاتٍ، اخْتَارَهَا اللهُ تَعَالَى وَاصْطَفَاهَا، وَجَعَلَهَا أَفْضَلَ أَيَّامِ السَّنَةِ عَلَى الإِطْلَاقِ، وَهِيَ أَيَّامُ العَشْرِ الأُوَلِ مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ، وَلِمَكَانَتِهَا فَقَدْ أَقْسَمَ بِهَا الْمَوْلَى فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: )وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ( [الفجر:1-3]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنَ المُفَسِّرِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: (المُرَادُ بِالعَشْرِ فِي الآيَةِ: العَشْرُ الأُوَلُ مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ).

وَإِذَا عَلِمَ العَبْدُ أَنَّ العَمَلَ الصَّالِحَ يُحِبُّهُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الأَيَّامِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا؛ اجْتَهَدَ العَبْدُ فِيهَا فِي الطَّاعَاتِ، وَازْدَادَ فِي القُرُبَاتِ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ» يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وأَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَهُ]، وَكَانَ سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ -وَهُوَ الَّذِي رَوَى هَذَا الحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- إِذَا دَخَلَ العَشْرُ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا حَتَّى مَا يَكَادُ يُقْدَرُ عَلَيْهِ.

وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذِهِ الأَيَّامَ وَجَدَ أَنَّهَا تَجْتَمِعُ فِيهَا أَنْوَاعُ العِبَادَاتِ، وَيَجْتَهِدُ المُسْلِمُونَ فِيهَا بِالطَّاعَاتِ، فَفِيهَا: الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالحَجُّ وَالذَّبْحُ، وَغَيْرُهَا مِنَ الطَّاعَاتِ الجَلِيلَةِ وَالعِبَادَاتِ العَظِيمَةِ، بَلْ جَعَلَهَا اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَوْسِمًا لِحَجِّ بَيْتِهِ الحَرَامِ، وَجَعَلَ فِيهَا أَيَّامَهُ العِظَامَ؛ فَفِي هَذِهِ العَشْرِ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَفِيهَا يَوْمُ عَرَفَةَ، وَهُوَ رُكْنُ الحَجِّ الأَكْبَرُ، وَفِيهَا يَوْمُ النَّحْرِ، وَهُوَ أَعْظَمُ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ.

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:

مِنَ العِبادَاتِ المَشْرُوعَةِ فِي أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ: التَّكْبِيرُ لِلَّهِ تَعَالى، وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ: المُطْلَقُ وَهُوَ فِي جَمِيعِ الأَوْقَاتِ مِنْ أَوَّلِ دُخُولِ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِقَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ: )لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ( [الحج:28]، وَهِيَ أَيَّامُ العَشْرِ، وقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ([البقرة:203]، وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ نُـبَيْشَةَ الهُذَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]، وَذَكَرَ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: أَنَّهُمَا كَانَا يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ أَيَّامَ الْعَشْرِ فَيُـكَبِّـرَانِ وَيُكَبِّـرُ النَّاسُ بِتَـكْبِيرِهِمَا.

وَالتَّكْبِيرُ المُقَيَّدُ وَيَكُونُ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ المَفْرُوضَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ - لِغَيْرِ الحَاجِّ - إِلَى صَلَاةِ العَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ الإِجْمَاعُ، كَمَا قَالَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَهُوَ فِعْلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.

عِبَادَ اللهِ:

وَمِنَ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تَتَأَكَّدُ مَعْرِفَتُهَا فِي مُسْتَهَلِّ هَذِهِ الأَيَّامِ: مَا رَوَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا»، وَفِي رِوَايَةٍ: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ» [رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ].

فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ يَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِ إِذَا دَخَلَتِ العَشْرُ أَلَّا يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ وَلَا مِنْ جِلْدِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ، وَهَذَا حُكْمٌ خَاصٌّ بِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ، وَيُخْطِئُ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ إِمْسَاكَ المُضَحِّي إِحْرَامٌ، بَلْ يَجُوزُ لَهُ الطِّيبُ وَالجِمَاعُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُمْنَعُ مِنْهُ المُحْرِمُ، وَمَنْ أَخَذَ مِنَ المُضَحِّينَ مِنْ شَعْرِهِ أَوْ أَظْفَارِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؛ فَإِنَّ أُضْحِيَّـتَهُ مُجْزِئَةٌ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَلِيَّ العَظِيمَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَنَصَرَهُ وَكَفَاهُ.

عِبَادَ اللهِ:

لِلْعُلَمَاءِ مَكَانَةٌ عَظِيمَةٌ فِي الإِسْلَامِ لَا تُنْكَرُ، وَفَضْلٌ كَبِيرٌ فِي القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ لَا يَكَادُ يُحْصَرُ؛ فَالعُلَمَاءُ شُهُودُ اللهِ عَلَى تَوْحِيدِهِ جَلَّ فِي عُلَاهُ، قَالَ تَعَالَى: )شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( [آل عمران: 18]. وَإِنَّ الْمُسْلِمَ ليَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِاحْتِرَامِ الْعُلَمَاءِ وَتَوْقِيرِهِمِ بِلَا غُلُوٍّ وَلَا جَفَاءٍ، وَلَا انْتِقَاصٍ وَلَا ازْدِرَاءٍ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ رَحِمَهُ اللهُ: (مَنِ اسْتَخَفَّ بِالْعُلَمَاءِ ذَهَبَتْ آخِرَتُهُ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالأُمَرَاءِ ذَهَبَتْ دُنْيَاهُ). وَمَنْ يُعَادِ العُلَمَاءَ الرَّبَّانِيِّينَ يُعَرِّضْ نَفْسَهُ لِحَرْبِ اللَّهِ تَعَالَى، فَفِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ » [رَوَاهُ البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ].

وَإِنَّ الْوَقِيعَةَ فِيهِمْ بِمَا هُمْ مِنْهُ بَرَاءٌ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَالتَّنَاوُلَ لِأَعْرَاضِهِمْ بِالزُّورِ وَالِافْتِرَاءِ مَرْتَعٌ وَخِيمٌ.

وَلْنَحْذَرْ -عِبَادَ اللهِ- مِنَ الطَّاعِنِينَ فِي العُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ؛ فَالعُلَمَاءُ يَحُولُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ نَشْرِ الفَسَادِ وَالِابْتِدَاعِ فِي الدِّينِ، إِذْ بِبَيَانِ العُلَمَاءِ يَظْهَرُ العِلْمُ وَيُرْفَعُ الجَهْلُ، وَتُزَالُ الشُّبْهَةُ، وَتُصَانُ الشَّرِيعَةُ، وَتَظْهَرُ الحُجَّةُ مِنْ غَيْرِ لَبْسٍ فِيهَا وَلَا غُمُوضٍ، قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ رَحِمَهُ اللهُ: (إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَتَكَلَّمُ فِي حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَاتَّهِمْهُ عَلَى الإِسْلَامِ).

وَاحْرِصُوا – رَحِمَكُمُ اللهُ تَعَالَى- عَلَى الْأَخْذِ بِالنَّصَائِحِ وَالتَّوْصِيَاتِ الصِّحِّيَّةِ، وَالْتِزَامِ الْإِجْرَاءَاتِ الِاحْترَازِيَّةِ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، رَبَّنَا ارْفَعْ عَنَّا الْبَلَاءَ وَالْوَبَاءَ، وَالضَّرَّاءَ وَالْبَأْسَاءَ، وَأَدِمْ عَلَيْنَا النِّعَمَ، وَادْفَعْ عَنَّا النِّقَمَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَهُمَا الصَّالِحَةَ فِي رِضَاكَ، وَاجْعَلْ هَذا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني